بائع القصب

قبل البدء .. ؛

القرش الأبيض ينفع فى اليوم الاسود

لكـن الكلمات البيضاء لا تنفع فى الايام السوداء

اما القلوب البيضاء

فهى لا تنفع فى أى يوم

..

قبل البدء ايضاً .. ؛

يقول أهبل _ ربما كان أنا _ ان الضوء

ما هو إلا ظلام أشقر

وحين تحدثت إلى " جمعة " بائع القصب

تأكدت ان الظلام ضوء أسود بدوره

..

تعودت حين أذهب إليه وقبل دخولي

أن أردد أغان أعلم أنه لا يطيقها

وفي هذه المرة قاطعني من الداخل بصوت مرتفع

صوتك جميل تصدق ؟

لماذا لا تصبح مطربا ؟

قلت له : حتى انت يا جمعة تستطيع الكذب ؟

قال : وهل تعتقد أن الكذب أمر يخصك وحدك ؟

دفعت باب غرفته في قوة

و قد استفزني منطقه

وحاولت ان استفزه استفزازا اخيرا

فأنا اعلم أنه سيتولى امر استفزازي فيما بعد

و لن تتاح لي الفرصة

قلت : يا أخي كل شىء فى غرفتك فارغ

إلا الغرفة نفسها

قال : أعلم ذلك

و الامر اكثر وضوحا الان بعد ان دخلتها انت

..

تركني جمعة و خرج ليجمع اعواد القصب

التي لم تجد من يشتريها

ووضعها بكل رفق خلف الباب

و ما أن هم بأغلاق الباب

حتى شعرت بانه يقترب منه و كانه يريد أن يقبله

أو انه يريد ان يقول له شيئا

لم أتخيل ماذا يمكن أن يقول مجنون لباب

التفت إليّ

ربما لمح تلك الأسئلة التي لم أسألها

وقال : هذا الباب صديقي ، حارس عالمي

قلت : وما الذي تخاف عليه في هذا العالم حتى تحرسه ؟

قال : يكفيني أنه لي

قلت : لم استوعب

كيف تحب الباب لانه يحرس عالمك

ثم أكتشف أن اثمن ما في هذا العالم

هو الباب نفسه ؟

قال : ليس مهما ان تفهم

ولكن يجب ان تعلم ان داخل هذه الغرفة

كلمات كثيرة قيلت و لا تزال موجودة اسمعها كل ليلة

و لا اريدها ان تغادر هذا المكان

ألم يسبق أن تخيلت يوما

أنك تسمع صوت أحدهم وهو غير موجود أصلا

صوت أمك ، حبيبتك .. ؟

قلت

سمعت مثل هذا ولكنه صوت ينبع من داخلي

محفوظ في ذاكرتي

لم يكن يسبح في الهواء ثم اصطدم بي مصادفة

لماذا لم يسمعه أحد غيري مثلا ؟

قال : هنالك أصوات لا تتحرك بشكل عشوائي

، تستطيع أن تعتبر أن هناك كود ما

، شفرة خاصة

تجعل تلك الأصوات لا تذهب إلا إلى أشخاص بعينهم

صوت حبيبتك لن يسمعه سواك

أما الأصوات غير المشفرة فقد يسمعها أي أحد

لم أقتنع كثيرا ولكني أردت أن أبدو كذلك

حتى لا أتورط اكثر في حوار أعرف سلفاً أني مهزوم فيه

حين نتيقن الهزيمة فإننا نحاول إختراع اسماء جميلة لها قبل أن تقع

وهذا هو بالتحديد ما فعلته

سكت هو ولم أشاء أن ابدأ أي حوار جديد

حتى قال

و ما اخبار فاطمة ؟

قلت : لاشىء .. عامين انقضوا ولم اراها

قال : لكنك بالتأكيد تسمع صوتها

قلت : نعم .. ولكن ما الجدوى اذا كنت لا اذكر من شكلها

إلا خصلات شعرها حين كانت طفلة ؟

قال : صوتها كائن مثابر سيشي لها يوما

بحقيقة أنك لازلت تسمعه

قلت : و هذا ايضا مجرد حلم

وقد اكتشفت يا جمعة ان الحياة افضل بلا احلام

ليتك تحلم أن تقضي بقية عمرك بلا أحلام

قال : و من قال لك أننى احلم ؟

لقد وزعت أحلامي على كلاب السكك

و على المتسكعين في الارصفة

فهل تعتقد أن احلامي لذيذة بما يكفي ؟

قلت : و هل تعتقد أنى احد الكلاب التى لاكته ؟

لم يرد و انما نهض ليبحث عن علبة سجائر لا يجدها

..

عاد من جديد ليقول

ربما تشعر بنوع من الشفقة علىّ

ترى أنني استحق وضع افضل

أردت أن اقول أن الشفقة ترف ليس لي

و أنها طقس لم أمارسه طيلة حياتي

لكني لم اجد داعي لقول ذلك

نهضت تاركا اياه

و أخذت عود قصب و تركت له مبلغا محترما

ورحلت

وفي الخارج

وجدت أنني اعرف المعنى الحقيقى للشفقة

فقد اشفقت على نفسي و بكيت

..