قبل البدء .. ؛
حين همّ بالموت
قالوا له لابد ان تلفظ انفاسك
فربما يحتاجها غيرك
لكنه لم يجد ما يلفظه
كان يعيش بلا أنفاس
فلم يستطع ان يموت
..
حين اقبل مساء الامس
اتصلت به
كنت احس برغبة جامحة فى افتعال شجار مع احدهم
لكنه لم يرد
حاولت مرات اخرى دون جدوى
رأيت في ذلك سببا وجيها للشجار معه
فكررت الاتصال اكثر من سبع مرات
و حين آيست من الرد
فاجئني هو بإتصاله
قال و بدون اى مقدمات .. ؛
ممكن طلب ؟ _
وكمن وجد مدخلاً لتحقيق أمنية أجبته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته _
لم يكترث لكنه اردف
أرجو ألا تتصل بي هذا المساء_
كنت ساقول وماذا عن الصباح ؟
ولكنني أختبأت خلف صمتي
فقدت رغبتي في الشجار
في حين واصل هو
أنا أبحث عن قليل من الخلوة _
أريد أن أتوقف في حضرة الصمت
لا أريد شيئا أكثر من ذلك
هممت بقول شيء على غرار انني اتصلت بوقت غير مناسب
لكنه اكمل حديثه بسرعة
أريد أن أكف عن امتطاء سلاحف بحرية بنية غزو الروم _
سألون الكون هذه المرة بفرشاة أسناني
وأجعل من عود ثقاب تذكارا بعد أن أحرق به عالمي
أريد أن أعلق ( عظمة ساق كلب ) مكان إشارة مرور
سأعاقب أطفالا يلعبون دون أحذية
بأن أزدرد أعمارهم وأحياها
سأختفي عن أهاليهم مائة سنة ضوئية
واعتذر لأهلي عن غيابي بذهابي لشراء وعاء للدمع
لم أكن أريده أن يسكت
أردت أن يكمل حديثه وهو يعبث بكل شيء
ليحول كل هذا المساء إلى لوحة سريالية
شعرت برغبة في إستمراره
أردت أن يثقل كاهل هذا المساء بكل التناقضات
أردت أن يموت هذا المساء علي يديه
يموت من فرط حيرته
وكعادته في قفز حواجز الصمت أكمل على نفس الوتيرة
سأفاوض فيلا الآن لامتطائه وعبور ثقب إبرة
سندفع ثمن تذكرة العبور
وسأسرق ما دفعته بعد أن نعبر
بدا لي أني أنا من سيموت حيرة
وأن المساء سينجو بفعلته
وسأدفع أنا ـ كالعادة ـ ثمن حماقات لم أرتكبها
لم يتضح لي ماذا يختبيء خلف هذا الهجوم " السيريالي " ..؛
أو لم يكن لدي القدرة على الاستنتاج
سألت بسذاجة لا تتفق مع سيرياليته المفرطه
والسبب ؟ _
السبب أننا نأتي دائماً متأخرين _
عن ماذا ؟_
عن كل شيء _
نأتي متأخرين عن الحب
ثم سكت كمن تذكر فجأة أن هذه الكلمة قد ألغيت من القاموس
ذات حقيقة
هل هذا كل ما تأخرت عنه ؟ _
يا صديقي .. أنا متأخر عن الحياة مسافة عمر كامل _
ولماذا هذا المساء بالذات ؟_
ليس وحده _
لكني لم أعد أحتمل
لم أعد أحتمل السجن داخل قفص " مثاليات " صنعته بيدي
هل أنت واثق أنك من صنعه ؟_
وهل يهم ؟_
كل الأشياء تتشابه
واندفع هذه المرة باسئلة ربما كانت أكبر من أن يحتملها
مالذي يجبرني أن أكون صادقاً ؟
وكل من حولي يمارسون الكذب ؟
لم اقف كثيرا عند عبارة " من حولي " ..؛
رغبت فقط في استمراره
وأكمل
مالذي يجبرني أن أكون متواضعاً
حتى مع عامل النظافة الذي بجوار منزلي
مالذي يدفعني لأن أسلم عليه كل يوم وأحاول إشعاره أنه أكثر أهمية مني
هل أفعل كل هذا ليمتهنني الآخرون
ويحتقروني ويعاملوني كـ" حشرة " ؟؟
لماذا اتسامح ؟
هل أفعل هذا لكي أكون ممراً لكل حماقات اللآخرين
أم لكي أكون حاوية للألم
لماذا أحب ؟
هل أفعل هذا لكي أكون مشرداً على رصيف الحرمان
لا أجد مكاناً في قلب كي أسكنه ؟
لماذا أكون مخلصاً لآخر حتى أكثر من نفسه ؟؟
هل أفعل هذا لأكون مجرد لوح يكتب عليه تفاهاته واتهاماته وحماقاته ؟
سأجمع كل تلك الأوهام
واحشوها في فم هذا المساء البغيض
لم يكن لدي أيه إجابة على كل تلك التساؤلات
في الحقيقة لم يكن لدي من الصمت ما يكفي لأجيب
هذا الرجل لا تستطيع محاورته او جداله
قد يكون من المناسب أن أتقمص دور " الواعظ الديني " أمام إنسان لا يعرفني
لكن قيامي بهذا الدور أمامه هو بالذات سيكون جريمة
لا تقل في نظره عن كل جرائم هذا المساء وكل المساءات التي تشبهه
هو يعرفني .. ويعرف أني تلك الكتلة من الخطايا والذنوب
قدره أن يعرفني .. وقدري أني كذلك
كان أسواء ما في معرفتي به أني اسير أمامه عارياً
من كل تلك المساحيق والقشور التي نرتديها أمام الآخرين
ليعتقدوا أننا أفضل
قاطع افكاري كعادته
لا تقلق بشأني_
يوما ما سوف أبرم مع المساء صفقة نسيان مناسبة
قالها و اغلق السماعة دون حتي ان يلقي سلاما
لم يكن يحتاج الى ذلك
فهو يعرف انني افهم ما يريد ان يقوله
..
اما اليوم
و قد اوشك مساء جديد على الإقبال
ادركت انه لم يعد هناك
كان المساء مختلفا
كأنه يحمل ابتسامة ساخرة
ابتسامة مساء ابرم صفقة لتوه
مع عجوز فاني
..